( الصفحة 307 )
القول في أقسام الصوم
وهي أربعة : واجب ، ومندوب ، ومكروه ، ومحظور ; فالواجب منه: صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم دم المتعة في الحجّ ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم النذر وأخويه وإن كان في عدّ صوم النذر وما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة 1 .
1ـ أمّا الواجب منه فهو :
1ـ صوم شهر رمضان ووجوبه ـ مضافاً إلى ثبوت الارتكاز عند المتشرّعة ; لأنّه من فروع الدين ـ يدلّ عليه الكتاب(1) والسنّة المتواترة (2) ، وفي بعض الروايات وصفه بأنّه من أركان الدين(3) .
2ـ صوم الكفّارة ، الذي سيأتي البحث عنه وعن أقسامه المختلفة، فانتظر .
3ـ صوم القضاء على الشخص أو على وليّه بعد مماته ، وقد تقدّم البحث عن
- (1) سورة البقرة 2 : 183 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 7 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيته ب 1 ، و ص : 239 ، أبواب أحكام شهر رمضان ب1 .
(3) الكافي 4 : 62 ح 1 ، الفقيه 2 : 44 ح 196 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 395 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 1 .
( الصفحة 308 )
كليهما مفصّلا .
4ـ صوم دم المتعة في الحجّ ; والمقصود منه الصوم بدل الهدي لمن لا يقدر عليه ، ويدلّ عليه قبل كلّ شيء قوله ـ تعالى ـ : (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )(1) . وقد فصّلنا الكلام في هذا النوع في كتاب الحجّ مع الفروع المتعلّقة به في أحكام منى (2).
5ـ صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وسيأتي(3) في بحثه عن قريب إن شاء الله تعالى أ نّ الاعتكاف وإن كان أمراً مستحبّاً ، إلاّ أنّه بعد اليومين من الشروع تجب إدامته المشروطة بالصوم في اليوم الثالث .
6ـ صوم النذر وأخويه من العهد واليمين ، وأشار في الذيل إلى ما ذكرناه مراراً من أنّ تعلّق النذر لا يوجب صيرورة المنذور واجباً ، بل متعلّق الوجوب فيه هو الوفاء بالنذر ، غاية الأمر عدم تحقّقه في الخارج إلاّ بإتيان المنذور ، فصلاة الليل المستحبّة لا تصير واجبة بالنذر ، بل الواجب هو الوفاء ، وصلاة الليل باقية على استحبابها بعنوانها ، ولذا لا يعتبر قصد التقرّب في الوفاء بالنذر وإن كان معتبراً في المنذور لأجل كونه عباديّاً ، كما لا يخفى .
- (1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 5 : 274 .
(3) في ص 362 ـ 364 .
( الصفحة 309 )
القول في صوم الكفّارة
وهو على أقسام :
منها : ما يجب مع غيره ; وهي كفّارة قتل العمد ، فتجب فيها الخصال الثلاث ، وكذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط 1 .
1ـ ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : أنّ ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات ـ بل قد يظهر من المحقّق (قدس سره) إرساله إرسال المسلّمات (1) ـ أ نّ هذا الحكم عامّ يشمل جميع موارد القتل العمدي ، من دون الاختصاص بما تثبت فيه الدية غير المجتمعة مع القصاص . وقد استفاد من النصوص الثاني ; فإنّها لا تدلّ على الكفّارة إلاّ لدى العفو عن القصاص والانتقال إلى الدية ، ويلحق به ما إذا لم يمكن تنفيذ القصاص لفقد بسط اليد في الحاكم الشرعي ، أو ما إذا لم يكن مشروعاً، كما في قتل الوالد ولده .
وأمّا فيما استقرّ عليه القصاص لمشروعيّته وعدم عفو أولياء المقتول ، فلا دلالة في شيء من النصوص على وجوب الكفّارة ; بأن يكفّر أوّلا ثمّ يقتل ، بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه ، وأ نّ توبة القاتل تتحقّق بمجرّد القصاص ; فإن كان
- (1) شرائع الإسلام 1 : 185 .
( الصفحة 310 )
ومنها : ما يجب بعد العجز عن غيره وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ; فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق . وكفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان ; فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام . وكفّارة اليمين ; وهي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، وإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام 1 .
هناك إجماع على الإطلاق ، وإلاّ فإثباته في غاية الإشكال(1) .
أقول: ويؤيّد الإطلاق ـ مضافاً إلى إرسال مثل المحقّق للمسألة إرسال المسلّمات ، وإلى أنّه لم ينقل الخلاف في شيء من فروضها من أحد ـ أنّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا}(2) عدم تحقّق التوبة للقاتل بمجرّد القصاص، فهل يمكن الالتزام بأنّ قتل الوالد لولده مثلا مستثنى من هذه الآية؟
نعم ، يبقى شيء ; وهو أنّ ظاهرهم في كتاب القصاص عدم ثبوت غيره في قتل العمد ، إلاّ أن يقال بأنّهم اعتمدوا في ذلك على بيان ثبوت الكفّارة أيضاً في كتاب الصوم ، كما صنعه في المتن وما يشابهه .
وأمّا الاحتياط الوجوبي في كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان ، فقد تقدّم بحثه في باب ما يمسك عنه الصائم (3)، فراجع .
1ـ أمّا كفّارة الظهار : فمقتضى الآية الشريفة الواردة ترتّب صوم شهرين متتابعين على العتق ، قال الله ـ تعالى ـ : { وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَآلـ ِهِمْ ـ إلى قوله تعالى : ـفَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}(4) إلخ . وقد وردت بذلك عدّة
- (1) المستند في شرح العروة 22 : 231 ـ 232 .
(2) سورة النساء 4 : 93 .
(3) في ص 153 ـ 157 .
(4) سورة المجادلة 58 : 3 ـ 4 .
( الصفحة 311 )
كثيرة من الروايات (1) . نعم، في عدّة اُخرى منها عطف هذه الخصال بلفظة «أو»(2)الظاهرة في التخيير دون الترتيب .
هذا، ولكن صراحة الآية المباركة والطائفة الأُولى من الروايات في الترتيب يمنع عن الأخذ بها ، ولا يبقي مجالا للجمع ، فاللازم التصرّف في الطائفة الثانية وحمل كلمة « أو » على بيان الأقسام، لا الترتيب في العمل . ومثله كثير في الاستعمالات .
وأمّا كفّارة قتل الخطأ : فمقتضى الآية الشريفة الواردة فيها(3) ترتّب الصيام على العتق . نعم ، الآية خالية عن التعرّض للإطعام ، إلاّ أنّ النصوص المتعدّدة دالّة علىثبوتها(4) ، وقد نسب إلى المفيد والسلاّر(5) التخيير ، وليس لهما مستند بوجه .
وأمّا كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان : فقد مرّ عن قريب (6).
وأمّا كفّارة اليمين : فصريح الآية المباركة الواردة فيها لزوم صيام ثلاثة أيّام(7) مع العجز عمّا يجب أوّلا . نعم ، في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عنشيء من كفّارة اليمين ؟ فقال : يصوم ثلاثة أيّام . قلت : إن ضعف عن الصوم وعجز . قال : يتصدّق على عشرة مساكين(8) . ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ محمولة
- (1 ، 2) وسائل الشيعة 22 : 303، كتاب الظهار ب 1 ، وص359 ـ 362، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب1 .
(3) سورة النساء 4 : 92 .
(4) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب10 ح1 ، وج29: 34، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب11 ح4.
(5) المقنعة : 570 ، المراسم العلويّة : 190 .
(6) في ص 297 ـ 299 .
(7) سورة المائدة 5 : 89 .
(8) الكافي 7 : 453 ح 11 ، تهذيب الأحكام 8 : 298 ح1104 ، الاستبصار 4 : 52 ح 180 ، وعنها وسائل الشيعة 22 : 377 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 12 ح 6 .